الخميس، 13 مارس 2014

لا ياحبيبى ( 2 ) - قصة قصيرة

(2)
عبر أزقة المنطقة العشوائية , مشى الصبى الذى يقارب السابعة عشر من عمره , من زقاق إلى آخر و من ممر ضيق بعرض متر يعد فى حكم شارع بين البيوت حتى وصل إلى زقاق بعرض ثلاثة أمتار, بين الحين والآخر يتحسس جيبه ليتأكد من وجود شئ فيه , ثم يواصل سيره بخطوات واسعة حتى وصل إلى بيت صغير عشوائى البناء هبط مدخله بفعل إرتفاع أرضية الشارع , ومنه شق طريقه إلى أول باب على اليمين , لم يطرق الباب إنما دفعه دفعة شديدة فأنفتح ورأى أمه تجلس فى نفس مكانها المعتاد فى الصالة الضيقة المستطيلة الشكل .
بادرته بالسؤال بمجرد دخوله وهى تضع جانبا صينية كانت تعد فيها طعاما
- جاى بدرى النهاردة يعنى , خير
- فيه إيه يامه , إنتى حاتفضلى ماسكة لى عالواحدة .
- ماهو من مشيك البطال إللى ...
قاطعها وهو يخرج بضعة أوراق مالية كان قد إنتزعها من رزمة المال التى فى جيبه
- خدى يامه
نظرت للنقود بإستنكار
- حد الله بينى وبين فلوسك , هو أنا أعرف إنت جايبهم منين .
- يامه إنتى محتاجة الفلوس
- روح يابنى ربنا يهديك , أخوك مكفينى بالحلال والحمد لله . 
علا صوته معترضا
- يعنى أنا إلى فلوسى حرام
وفتح باب الحجرة الوجيدة فجأة وخرج منها أخيه الكبير, شاب فى العشرينات
- أيوه , فلوسك حرام فى حرام وحتوديك فى داهية عن قريب , ولا حاتكسب منها لا دنيا ولا آخرة
- ما إحنا مش حانخلص من كلامك ده باين
صرخت الأم
- إتلم ياوله , ده أخوك الكبير , أخوك إللى شقيان على فرشته طول النهار عشان يجيب لنا لقمة حلال , مش زيك داير مع ولاد الكلب دول تولعوا فى حاجات الناس وتحرقوا قلوبهم
ثم بندم
- والله ربنا ماحيسيبك على إللى بتعمله ده , لاأنت ولا هم
قال الأخ يائسا متحسرا
- مفيش فايدة يامه , ده عيل مش نافع من يومه , داق خلاص طعم الفلوس الوسخة
واصلت الأم
- يابنى الشغل مع الناس دى مش رزق , النهاردة بيخلوك تحرق وتكسر , بكره حايخلوك تقتل
وكأنها أصابت الجرح فلم يرد , هذا الوجوم الذى أصابه أثار الشك فى صدر أخيه فاندفع ناحيته
- ورينى الفلوس إللى جيبك
حاول التملص من أخيه
- إوعى إيدك
صرخت الأم خوفا على إبنيها من الشجار
- سيبه يابنى
ولكن أخيه أفلح فى إخراج المال من جيبه وخطف ماكان فى يده وأحصاه ثم صرخ فيه وهويدفعه ليرتطم بالحائط
- 500 جنيه ؟ يبقى شغلوك فى القتل ياوسخ
وخبطت الأم على صدرها فزعة من قكرة أن يكون إبنها قاتلا
- قتل ؟ لا ياحبيبى ما تقولش كده
- خلاص يامه , إبنك بقى قتال قتلة , باركيله
بكت المرأة وهى تولول
- ياوكستك يا سيدة , إنطق ياوله ساكت ليه, قول إنك ماقتلتش حد 

(3)
سمحوا لها ولأهلها بالدخول لزيارة أشرف بعد أن قضوا ساعات عصيبة منذ وصولهم للمستشفى وحتى إنتهت العملية الجراحية , كان أشرف راقدا على سرير فى غرفة العناية المركزة , معلقة له المحاليل ويرتدى قناع الأوكسجين , إقتربت منه علا والدموع فى عينيها ولمست يده برفق
- أشرف , سلامتك ياحبيبى , ألف سلامة
إقتربت الأم منها
- إن شاء الله خير يا علا , إطمنى يابنتى
والدموع تملأ وجهها
- مابيردش يا ماما
وإنهمرت الدموع أكثر من عينيها
- عايز تسيبنى يا أشرف , تقدر ؟ لا ياحبيبى , أنا عارفه إنك ماتقدرش
ربتت عليها أمها وقد غلبتها الدموع
- مش كده يا علا , إمسكى نفسك شوية
ودخل الطبيب الحجرة وإندفع الأب ناحيته مسارعا بالسؤال
- طمننا يادكتور , هو حالته إيه
إبتسم الطبيب وهو يقترب من أشرف
- إطمنوا ياجماعة , بخير
ثم ليزيل نظرات الشك فى عييونهم الباكية
- والله بخير وحايقوم بالسلامة إن شاء الله , إطمنوا
خاطبته علا
- ده مابيردش يادكتور , مش بيتكلم
- ماهو لسه فى تأثير البنج , لما يفوق حاتكلميه زى مانتى عايزة إن شاء الله
وطلب الطبيب منهم الإنتظار خارج الحجرة حتى يفيق أشرف ويتم نقله بعدها إلى حجرة خاصة , وطمأنها مرة ثانية وأكد لها أنه يمكن أن يغادر المستشفى خلال يومان على الأكثر.

(4)
خرج الصبى مطرودا من البيت بعد أن رمى له أخوه المال فى وجهه مهددا إياه أن يعود إلى البيت مرة أخرى , كان الصبى حزينا , لم يحزن هكذا من قبل , منظر سقوط الشاب الذى أطلق عليه النار يحتل تفكيره , لا يكاد ينساه للحظة حتى يعاوده من جديد , لعنة الله على سوء الحظ والبطالة التى أودت به لهذا المصير , وفى زاوية منعزلة من مقهى شعبى صغير فى حارة ضيقة جلس مع إثنان من أصدقائه وشركائه فى المسيرات , لا يختلف حالهم كثيرا عن حاله , وإن كانوا أكبر منه سنا , وأمامهم زجاجات البيرة يدخنون الشيشة المطعمة بالحشيش , يتبادلون الضحكات والقفشات التى لا تضحك إلا المساطيل أمثالهم , وبعد مرور عدة ساعات رن موبايل أحدهم وفتحه وأنصت لمحدثه دقيقة بإهتمام ثم أغلقه وقال لهم
- عايزينا بكره إحنا التلاتة , نفس المكان إللى بنتقابل فيه , بس الراجل بينبه علينا نروح بدرى عشان نفهم بالظبط حنعمل إيه

(5)
طلبت علا من والديها يعودا إلى بيتهما بعد أن إطمئنت على أشرف ولكن أمها أقنعتها بعدم جدوى الإنتظار ويمكنها الإتصال بالمستشفى من البيت وتعرف أخبار أشرف أولا بأول وعندما يتم نقله إلى غرفة مستقلة يمكنهم الحضور لزيارته , ولأن علا لم تكن فى جالة تسمح لها أن تذهب إلى شقتها وحدها أو تنفرد بنفسها وأشرف بعيدا عنها طلبت منها الأم أن تعود معهما إلى بيتهما . وترددت علا فى الموافقة أو فى مغادرة المكان من أساسه بدون زوجها وحبيبها ورجلها وهو على هذه الحالة , وفاجأتهم الممرضة عندما جاءت إلى صالة الإنتظار  وبإبتسامة على وجهها أخبرت علا أن أشرف قد أفاق من البنج وأمر الطبيب بنقله إلى حجرة خاصة يتم إعدادها فى تلك اللحظة .
إندفعت علا ملهوفة إلى حجرة العناية , كان أشرف راقدا على ظهره ووجهه إلى الناحية الأخرى من الحجرة وإقتربت منه وقلبها يخفق
- أشرف .
ونظر بسرعة فى إتجاه صوتها مما سبب له بعض الألم فهتفت
- خليك زى ما أنت ياحبيبى
إقتربت وأمسكت بيده
- حمد الله على السلامة
وبكل الفرحة لرؤينها
- الله يسلمك
من ورائها كان الأب والأم
- ماشاء الله , دا أنت زى الفل أهه , سلامتك يابنى
- الله يسلمك يابابا
قالت الأم
- كده تخضنا عليك يا أشرف
- معلش يا ماما
- قدر ولطف ياحبيبى , الحمد لله إنك بخير
وقالت علا لتخفف الموقف
- يعنى لو كان سمع كلامى مش كان أحسن
ونظرت إليه
- وألا إيه ؟
إبتسم أشرف وقال
- وكنت حاعرف غلاوتى عندكم إزاى ؟

(6)
- مش حاتقوم تشوف أخوك ؟
- أشوفه فين يامه , هو أنا أعرف له مكان
- معلش يابنى , قلبى واكلنى عليه , إسأل صحابه إللى تعرفهم 
وسالت دموعها
- يعنى كان لازم تكرشه , دلوقت يروح يتلم على شلة البلطجية إللى ماشى معاهم اليومين دول
وواصلت بندم وحسرة
- يعنى لا نفع فى علام ولا نفع فى شغل
صمتت قليلا ثم قالت
- حانسيب أخوك يضيع مننا كدة
متعاطفا
- خلاص يامه , هدى نفسك
ثم نهض وقال
- أنا رايح أشوفه فين وأجيبه معايا , بس أنا لى كلام تانى معاه المرة دى

(7)
- الولد إللى ضرب النار فى مظاهرة إمبارح , فاكره ؟
- فاكره طبعا , مش الولد الصغير إللى بييجى مع الأتنين صحابه ؟
- هو ده
- خير
- الولد ما يطمنش , وشكله مش حلو بعد ما خلص , ندمان على إللى عمله والعينة دى لو وقعت حاتجر ناس معاه
- والحل ؟
- هما بكرة معانا فى شارع 30 , مش كده ؟
- معانا , أنا بلغتهم وقلت لهم ييجوا بدرى
- تمام كده , عايزك تخلى الولد ده قدام فى المظاهرة , ولما العملية تسخن وأول الشرطة ماترمى غاز وتتقدم بمدرعاتها , خلص عليه , وتكون قريب منه عشان الطلقة مانخيبش , حى , فاهم , وبعد مايقع تعمل الحفلة إللى بنعملها فى الحالات دى
- عارف , قتلوه بلطجية الشرطة , حقك مش حايروح ياشهيد
- الله ينور عليك , وماتتحركش من المكان إلا لما تتأكد من التصوير , صور وفيديو , وتجيبلى الشريط بعدها بأسرع مايمكن  

(8)
عاد الإبن دون أخيه بعد أن فشل فى العثور عليه
- يا ترى إنت فين يابنى , لازم تلاقيه , قلبى واكلنى عليه
- حاضر يامه , مش حاروح الشغل النهارده وحانزل أدور عليه , والله يامه قلبت الدنيا عليه ومالقيتوش فى أى حته وقالولى مشى مع أصحابه , حاصلى الفجر وأنام لى ساعتين وأقوم أدور عليه , النهارده مش حارجع إللى وهو معايا , ماتقلقيش يامه , ماتقلقيش
(9)
فى اليوم التالى , كتب الطبيب مغادرة لأشرف بعد أن تحسنت حالته على أن يستكمل العلاج فى البيت , وبعد إتمام الإجراءات بعد ظهر هذا اليوم , كان الجميع سعيدا وكانت علا أسعدهم بعد أن إستجاب الله لرجائها وغادر أشرف المستشفى بسلام , إستند أشرف على ذراع زوجته وحماه وساعداه على ركوب السيارة التى ستقلهم إلى البيت , ووافقت الأم إبنتها بأن تذهب معها إلى البيت هى ووالدها حتى يطمئنوا على إسترداد أشرف لعافيته .
وصلت السيارة إلى المنزل وإستند أشرف على ذراع زوجته وذراع حماه من الجانب الآخر بينما أسرعت الأم وسبقتهم لكى تفتح الشقة , وأراد أشرف أن يجلس فى الأنتريه قليلا وقال لعلا
- إفتحى التليفزيون ياعلا
- ما بلاش ياأشرف , خش أودتك عشان ترتاح
- شوية كده بس يا علا
فتحت التليفزيون إستجابة لطلبه وكان المشهد فى مسيرة للإخوان تتطاير فيها قطع الحجارة وتشتعل إطارات السيارات وقالت الأم
- منكم لله يابعدا , أقفلى التليفزيون ياعلا يا تغيرى المحطة
قبل أن تستجيب علا لنداء أمها وكانت تعد عصيرا لأشرف تدخلت الشرطة وأطلقت قنابل الغاز لتفريق المتظاهرين , وفى اللحظة التى إقتربت فيها علا لتقفل التليفزيون صرخت وقد إستعادت مشهد زوجها منذ يومان عندما أطلق أحدهم النار عليه , فقد رأت أحدهم يصوب مسدسه على شاب صغير متقدم فى المظاهرة ومن مسافة قريبة أطلق النارعليه , وعلا الصراخ والهرج والمرج وإندفع بعض الأشخاص نحو الشاب الذى سقط ورفعوه من على الأرض والدماء تسيل منه والنساء المشاركات يصرخن
- قتلوه المجرمين , قتلته الشرطة
وهاج الجميع وهو يسيرون خلفه وهتف أحدهم
- الشرطة بلطجية بيقتلوا الثوار , مش حانسيب حقك ياشهيد
وعلت الهتافات المدوية من الشباب المشارك والنساء
- بالروح بالدم نفديك يا شهيد , يا شهيد نام وإرتاح وإحنا نكمل الكفاح

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Grocery Coupons